في السنوات الأخيرة، ازداد الوعي باضطراب طيف التوحد (ASD)، ما دفع الكثير من الآباء والمختصين إلى التساؤل: هل يمكن تشخيص التوحد قبل عمر السنة؟ هذا السؤال لا يأتي من فراغ، بل من القلق الطبيعي لدى الأهل حول تطور طفلهم، لا سيما عند ملاحظة بعض العلامات المبكرة التي قد تُثير الشك.
في هذا المقال، نستعرض أهم ما توصّل إليه العلم بشأن تشخيص التوحد المبكر، ونتعرف على العلامات الأولية، ودور الأهل والأطباء في التدخل المبكر، مع استعراض أحدث الأبحاث الطبية في هذا المجال.
📌 ما هو اضطراب طيف التوحد؟
اضطراب التوحد هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر على القدرة على التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويصاحبه أنماط سلوكية متكررة واهتمامات محددة. يظهر عادة في السنوات الثلاث الأولى من العمر، ولكن الأبحاث الحديثة تحاول دفع حدود التشخيص إلى أعمار أصغر.
👶 هل يمكن تشخيص التوحد قبل إتمام الطفل لعامه الأول؟
الإجابة المختصرة: نعم، ولكن بشكل غير قطعي.
رغم أن التشخيص الرسمي غالبًا ما يتم في عمر 18 شهرًا أو أكثر، إلا أن بعض العلامات السلوكية والوظيفية قد تظهر قبل ذلك، ما يتيح للمتخصصين “الاشتباه المبكر”، وليس “تشخيصًا رسميًا” بالمعنى الكامل.
🧭 الفرق بين الاشتباه المبكر والتشخيص الرسمي
| الجانب | الاشتباه المبكر | التشخيص الرسمي |
|---|---|---|
| العمر | من 6 إلى 12 شهرًا | بعد 18 شهرًا غالبًا |
| القائم به | طبيب الأطفال / الأهل | طبيب مختص (أعصاب، نفسية الأطفال) |
| الأدوات | الملاحظة، استبيانات أولية | اختبارات تشخيصية معتمدة |
| الهدف | التحفيز على المراقبة والتدخل | تثبيت التشخيص ووضع خطة علاجية |
🔍 ما العلامات التي يمكن ملاحظتها قبل السنة الأولى؟
على الرغم من أن كل طفل يختلف عن الآخر، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي قد تظهر في الشهور الأولى من عمر الطفل:
🚫 غياب التواصل البصري
طفل لا ينظر لوجه الأم أثناء الإرضاع، أو لا يتفاعل بصريًا عند مناغاته.
😶 قلة المناغاة أو الأصوات
إذا لم يبدأ الطفل في “الهديل” أو نطق مقاطع صوتية بسيطة مثل “آه” أو “بو” في عمر 6 أشهر.
❌ عدم الاستجابة للاسم
عند مناداته في عمر 9 أشهر، لا يلتفت الطفل أو لا يبدي أي تفاعل.
🤷♂️ غياب الإيماءات
مثل الإشارة، التلويح، أو رفع الذراعين لحمل الطفل، والتي عادة تظهر في عمر 9 إلى 12 شهرًا.
📦 التركيز الزائد على أشياء معينة
مثلاً، انشغال مبالغ فيه بتفاصيل لعبة معينة أو الدوران المتكرر حول نفسه.
🧪 هل توجد أدوات فحص تُستخدم قبل عمر السنة؟
بعض الاختبارات التي تُستخدم للاشتباه المبكر تشمل:
- استبيان M-CHAT-R/F: مخصص للأطفال من عمر 16 إلى 30 شهرًا، لكنه يُستخدم في حالات استثنائية بوقت أبكر.
- استبيانات التطور العصبي مثل Ages & Stages Questionnaires (ASQ).
- الرصد المبكر للنمو خلال زيارات المتابعة الدورية عند الطبيب.
كما أن هناك دراسات تبحث في مؤشرات بيولوجية مبكرة مثل تتبع حركة العين، نشاط الدماغ (EEG)، وسلوكيات النوم، لكنها ما زالت في مراحل البحث.
👨⚕️ ما دور الطبيب في هذه المرحلة المبكرة؟
يُوصى أن يخضع كل طفل لتقييم نمائي خلال زيارات المتابعة الدورية في:
- عمر 6 أشهر
- عمر 9 أشهر
- عمر 12 شهرًا
في حال رصد الطبيب أي علامات مقلقة، يُحوّل الطفل إلى اختصاصي أعصاب أطفال أو أخصائي تحليل السلوك التطبيقي (ABA) لتقييم أعمق.
🧠 ماذا يقول العلم حول إمكانية التشخيص المبكر؟
- دراسة نُشرت في مجلة Nature (2020) أظهرت أن التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) يمكن أن يكشف عن أنماط نمو دماغي غير معتادة في عمر 6 أشهر لدى أطفال ظهرت عليهم أعراض التوحد لاحقًا.
- دراسة أخرى في JAMA Pediatrics أكدت أن تتبع حركة العين لدى الرضع قد يُنبئ مبكرًا بصعوبات في التفاعل الاجتماعي.
ورغم ذلك، ما تزال هذه الأدوات في نطاق البحث، وليست وسائل تشخيص معتمدة سريريًا حتى الآن.
🧩 ما فائدة الاشتباه المبكر إن لم يكن تشخيصًا رسميًا؟
الاشتباه المبكر يسمح بالتدخل المبكر، وهو ما يحقق:
✅ تحسين نتائج النمو العقلي واللغوي.
✅ تقليل شدة أعراض التوحد لاحقًا.
✅ تعزيز مهارات التواصل الاجتماعي في مرحلة الطفولة المبكرة.
👨👩👧 دور الأهل في ملاحظة العلامات المبكرة
- راقب تطور المهارات الاجتماعية واللغوية بانتظام.
- لا تتردد في طرح أي ملاحظات للطبيب، حتى لو بدت بسيطة.
- وثّق بالفيديو السلوكيات التي تثير قلقك.
- تفاعل مع الطفل يوميًا بلغة بسيطة، ونظرات، ولمس حنون.
❗ هل تشخيص التوحد المبكر يعني أن الطفل “لن يتطور”؟
قطعًا لا. التدخل المبكر والعناية المناسبة قد تُحسن كثيرًا من المهارات، ويُظهر بعض الأطفال تطورًا كبيرًا مع مرور الوقت. المهم هو عدم الانتظار والتأجيل إذا كانت هناك علامات مقلقة.
لا يوجد تعليقات