حين يتلقى الأهل خبر تشخيص طفلهم باضطراب طيف التوحد، تتغير الحياة في لحظة. تنهال الأسئلة، ويعلو الخوف، وتتداخل المشاعر بين الإنكار والحزن والقلق والبحث المحموم عن الحل. إنها ليست مجرد لحظة بل رحلة نفسية طويلة ومعقدة، لا تحدث بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى وقت، ودعم، وصبر، ووعي.
هذا المقال يتناول المراحل النفسية التي يمر بها الأهل بعد التشخيص، ويقدم خطوات عملية لمساعدتهم على الوصول إلى مرحلة التقبّل الواعي والداعم، والتي تُشكّل نقطة الانطلاق الأهم نحو مستقبل طفلهم.
💔 أولاً: ما بعد التشخيص – صدمة طبيعية
تأتي لحظة التشخيص مثل موجة باردة. حتى إن كانت الشكوك موجودة، فإن سماع التشخيص من طبيب مختص يُفعّل الصدمة. يشعر كثير من الأهل بما يلي:
- إنكار: “لا يمكن أن يكون ابني متوحدًا، ربما الطبيب مخطئ.”
- حزن: “لماذا نحن؟ لماذا طفلي؟”
- ذنب: “هل فعلنا شيئًا خاطئًا؟”
- خوف: “ماذا عن مستقبله؟ هل سيتكلم؟ هل سيدرس؟ هل سيكوّن أصدقاء؟”
كل هذه المشاعر طبيعية وصحية. إنها جزء من عملية التكيّف.
🧭 ثانيًا: من الإنكار إلى الفهم
مع مرور الوقت، يبدأ الأهل في البحث والقراءة والانضمام إلى مجموعات دعم. شيئًا فشيئًا، ينتقلون من:
- التركيز على “الاختلاف”
- إلى فهم طبيعة التوحد كاختلاف عصبي وليس مرضًا
هنا، يبدأ التقبل العقلي، حتى إن لم يكتمل التقبل العاطفي بعد.
💡 ثالثًا: ما معنى التقبّل الحقيقي؟
التقبل لا يعني الاستسلام أو فقدان الأمل. بل هو أن تقول:
“طفلي مختلف، وهذا الاختلاف جزء من هويته. سأدعمه ليعيش حياته بأقصى طاقاته، دون أن أحمّله عبء التغيير ليشبه الآخرين.”
التقبل هو أن تحب ابنك كما هو، لا كما كنت تتمنى أن يكون.
🧘♀️ رابعًا: التقبّل يحتاج وقتًا… فلا تقسُ على نفسك
لكل والدين وتيرة مختلفة. لا تقارن نفسك بغيرك. قد تحتاج شهورًا، وقد تحتاج سنة أو أكثر لتصل إلى مرحلة التصالح. المهم أن:
- تطلب الدعم عند الحاجة (نفسياً أو أسرياً).
- تعبّر عن مشاعرك بدلًا من كبتها.
- تتحدث مع أمهات أو آباء يمرّون بالتجربة ذاتها.
🧩 خامسًا: كيف يساعد التقبل في دعم الطفل؟
عندما يتقبّل الأهل طفلهم كما هو:
- يختفي الضغط الداخلي الذي يشعر به الطفل.
- تتحول الجلسات العلاجية من محاولة “إصلاحه” إلى دعمه.
- يصبح التواصل أكثر دفئًا وفعالية.
- تُبنى علاقة قائمة على الاحترام وليس التوقعات.
🛠️ سادسًا: خطوات عملية نحو التقبل
- ثقّف نفسك عن التوحد من مصادر موثوقة.
- تحدث مع مختص نفسي إن شعرت بالإرهاق العاطفي.
- احتفل بكل تقدم مهما كان صغيرًا.
- توقف عن مقارنة طفلك بغيره – حتى بأشقائه.
- وثّق رحلتك في مفكرة أو مدونة – هذا يساعدك على فهم مشاعرك.
👨👩👧👦 سابعًا: لا تنسَ نفسك في خضم الرعاية
كثير من الآباء والأمهات ينسون أنفسهم تمامًا في رحلة دعم طفلهم، مما يؤدي إلى الإرهاق، والاكتئاب، وربما الشعور بالذنب المستمر.
تذكّر: صحتك النفسية أساس لدعم طفلك.
- خذ وقتًا للراحة.
- اطلب المساعدة من العائلة أو الأصدقاء.
- مارس نشاطًا تحبه – حتى لساعة أسبوعيًا.
✅ خلاصة
التقبل ليس موقفًا لحظيًا، بل هو رحلة نفسية شجاعة تبدأ من الألم وتنتهي بالسلام.
كلما قطعت فيها خطوة، كلما اقتربت أكثر من رؤية طفلك بعيون الحب لا المقارنة.
وفي تلك اللحظة، يصبح كل شيء ممكنًا.
لا يوجد تعليقات