لطالما نُظر إلى اضطراب التوحد من زاوية العجز أو القصور، لكن المفاهيم العلمية والإنسانية الحديثة تدفعنا لإعادة التفكير:
هل التوحد خلل… أم اختلاف؟
في السنوات الأخيرة، ظهر مفهوم جديد يُحدث تحولاً جذريًا في فهم التوحد وغيره من الحالات العصبية:
“التعدد العصبي” (Neurodiversity).
دعونا نستكشف هذا المفهوم، ونفهم كيف يمكن أن يغيّر نظرتنا للتوحد من الجذور.
🔍 ما هو التعدد العصبي (Neurodiversity)؟
هو مصطلح صاغته الناشطة الأسترالية “جودي سينجر”، ويعني ببساطة أن:
الاختلافات في طريقة عمل الدماغ هي جزء طبيعي من تنوع البشر، وليست أمراضًا يجب علاجها.
في هذا السياق:
- يُنظر إلى التوحد على أنه نمط تفكير ومعالجة مختلف
- يُقدّر الفرد التوحدي كشخص مميز وليس كمريض
- يتم التركيز على نقاط القوة إلى جانب التحديات
🤔 ماذا يعني ذلك عمليًا؟
✅ قبول أن الاختلاف طبيعي
ليس كل من يُفكر بطريقة “غير معتادة” يحتاج لإصلاح. بل قد يكون هذا الاختلاف مصدرًا للابتكار، الإبداع، أو الدقة العالية في مجالات معينة.
✅ التوحد ليس عيبًا
المفهوم لا يُنكر التحديات، بل يُعيد تأطيرها:
“ليس التوحد هو المشكلة… بل الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع الاختلاف.”
✅ التركيز على دعم الفرد
بدلاً من محاولة جعل الشخص التوحدي “يبدو طبيعياً”، نعمل على تهيئة البيئة لتتناسب مع طريقته الخاصة في التعلم والتواصل.
🧬 كيف يرتبط التوحد بالفروقات العصبية؟
الدماغ التوحدي يعالج المعلومات بشكل مختلف:
المجال | الدماغ النموذجي | الدماغ التوحدي |
---|---|---|
الاستجابة الحسية | معتدلة | مفرطة أو منخفضة بشكل غير نمطي |
التواصل | مباشر ومتعدد الأبعاد | قد يكون صريحًا أو غير لفظي |
الاهتمام بالتفاصيل | عام وتراكبي | دقيق ومنهجي |
هذه الفروقات العصبية ليست “أخطاء”، بل أنماط بديلة من العمل العقلي.
🎯 لماذا يُعد فهم التعدد العصبي مهمًا؟
1. 💬 احترام الكرامة الإنسانية
يعزز مفاهيم الشمول والكرامة، ويمنح الأفراد المختلفين صوتًا وقيمة.
2. 🧠 تعليم وتربية أكثر فاعلية
عندما يُصمم التعليم ليتماشى مع اختلافات الدماغ، تتحسن النتائج بشكل كبير.
3. 👪 علاقات أسرية ومجتمعية صحية
يساعد الأهل على تقبّل الطفل كما هو، والتوقف عن محاولة تغييره بالقوة.
✋ نقد التعدد العصبي: هل يتجاهل التحديات؟
بعض الأصوات تتخوف من أن التركيز على “الاختلاف” قد يُهمل الحاجة إلى الدعم والعلاج.
لكن في الحقيقة، التعدد العصبي لا ينفي أهمية الدعم، بل يقول:
“فلنُساعد الشخص على أن يعيش حياته بأفضل شكل ممكن… دون أن نُجبره على أن يصبح شخصًا آخر.”
💡 كيف ندعم التعدد العصبي في حياتنا اليومية؟
- الاستماع إلى أصوات التوحديين أنفسهم
- تعديل البيئات التعليمية والمنزلية لتناسب تنوع الأنماط العصبية
- الكف عن المقارنات النمطية بين الأطفال
- تعزيز مهارات التكيف وليس فقط التقليد
- تبنّي منهج “نقاط القوة أولاً”
✅ خلاصة
التعدد العصبي ليس فكرة عابرة، بل هو نقلة نوعية في كيفية فهم التوحد وتعاملنا معه.
إن إدراكنا أن أدمغة الناس تعمل بطرق مختلفة هو أول خطوة نحو مجتمع أكثر شمولًا، تعاطفًا، وإنصافًا.
لا يوجد تعليقات