عند تشخيص الطفل بالتوحد، تمر الأسرة بموجة عاطفية قوية، من بينها شعور قد يختبئ خلف كلمات الصمت أو تنهيدات الليل:
الذنب.
قد يشعر أحد الوالدين أو كلاهما أنه “سبب” ما حدث، أو أنه كان يمكن أن يكتشف الحالة مبكرًا، أو أن شيئًا ما فاته أثناء الحمل، أو في تربية الطفل، أو حتى في قراراته اليومية.
وهذا الشعور، رغم أنه طبيعي… إلا أنه مرهق ومُعطّل إن استمر.
في هذا المقال، سنتحدث بصراحة وهدوء:
- لماذا نشعر بالذنب؟
- وهل هو طبيعي؟
- وكيف نتجاوزه ونتصالح مع أنفسنا؟
أولًا: نعم، الشعور بالذنب طبيعي جدًا
الشعور بالذنب هو رد فعل بشري أمام حدث مؤلم لا يمكن التحكم به.
هو محاولة عقلنا لفهم ما حدث، وللسيطرة عليه — حتى لو عبر توجيه اللوم لأنفسنا.
قد تفكر الأم:
“هل أكلت شيئًا خاطئًا أثناء الحمل؟ هل تجاهلت علامات مبكرة؟”
وقد يفكر الأب:
“هل كان من المفترض أن ألاحظ؟ هل قصّرت في المتابعة أو في توفير الرعاية؟”
كل هذه التساؤلات لا تعني أنك مذنب… بل أنك محبّ، وخائف على من تحب.
لكن الأهم هو: ألا تسمح لهذا الشعور أن يُقيّدك أو يؤخرك عن المضيّ قدمًا.
ثانيًا: الحقيقة العلمية تحرّرك من الذنب
التوحد ليس نتيجة خطأ تربوي أو سلوك معين من الأم أو الأب.
هو اضطراب عصبي تطوري، تختلف أسبابه من شخص لآخر، وتتداخل فيه عوامل جينية وبيئية معقدة.
- لا يمكن للأب أو الأم أن “يتسببا” فيه
- ولا يمكن منعه أو التنبؤ به في كثير من الحالات
- والأهم: ليس خطأ أحد
💡 عِش الحقيقة العلمية… لا الأساطير أو الملامات الاجتماعية.
ثالثًا: كيف نتجاوز الشعور بالذنب؟
1. اعترف بالشعور ولا تكتمه
الإنكار لا يُعالج شيئًا. تحدث مع شريك حياتك، أو مع صديق موثوق، أو حتى مع معالج نفسي.
فمجرد الحديث قد يُحرّرك من ثقل داخلي لا يرى النور.
2. سامح نفسك كما تسامح الآخرين
هل تغفر للناس أخطاءهم؟ إذًا… لماذا لا تفعل ذلك مع نفسك؟
لست مثاليًا، ولا أحد كذلك. وقد تكون هناك أشياء فعلتها دون معرفة.
تذكّر: لا أحد يملك كل الإجابات قبل حدوث الأمور.
3. ركّز على ما يمكنك فعله اليوم
انقل تركيزك من الماضي إلى الحاضر:
- كيف يمكنني دعم طفلي اليوم؟
- كيف أتعلم أكثر عن التوحد؟
- ما الذي يساعدني على التقدّم خطوة بخطوة؟
عندما تنشغل بالفعل، يتراجع اللوم تدريجيًا.
4. ابتعد عن المقارنات المرهِقة
لا تقارن نفسك بأمهات أو آباء آخرين.
لكل أسرة ظروف، ولكل طفل طريقته.
ما تراه من الخارج ليس الصورة الكاملة.
رابعًا: لا تسمح للمجتمع أن يعزّز الشعور بالذنب
للأسف، بعض التعليقات من الأقارب أو الجيران قد تكون جارحة:
- “يمكن لو كنتِ لاحظتِ مبكرًا…”
- “ربما بسبب كذا أو كذا…”
هذه العبارات لا تستند إلى علم، بل إلى جهل أو خوف غير معلن.
كونوا واثقين: أنتم تفعلون ما بوسعكم، وأنتم الأفضل لأطفالكم.
وتجاهلوا من لا يعرف الرحمة قبل المعرفة.
خامسًا: استعينوا بالمساعدة النفسية عند الحاجة
إذا أصبح الشعور بالذنب خانقًا، أو تسبب في اكتئاب أو عزلة… فالمعالج النفسي ليس رفاهية، بل ضرورة.
أن تعالج نفسك، ليس لأنك ضعيف… بل لأنك تستحق أن تعيش بسلام.
خاتمة
أن تحب ابنك أو ابنتك، وتسعى لفهم عالمه، وتدعمه بكل ما أوتيت من طاقة… هذا هو الجوهر الحقيقي للأبوة والأمومة.
الذنب شعور بشري، لكنه لا يجب أن يصبح هوية دائمة.
حرّر نفسك.
واطمئن… أنت لست وحدك في هذا الطريق، ولكل من يسير فيه، نوافذ نور كثيرة بانتظار أن تُفتح.
لا يوجد تعليقات