عندما يُشخّص طفل بالإصابة بطيف التوحد، لا تتغيّر فقط تفاصيل حياته… بل تتغير أيضًا تفاصيل العلاقة بين الوالدين.
يصبح لكل يوم طعم مختلف، ومع كل جلسة علاج أو نوبة بكاء أو ليلة بلا نوم، تزداد الضغوط.
ومع الوقت، قد تبدأ العلاقة بين الزوجين بالتأثر: فتتراجع الحوارات، ويزداد التوتر، وتقل اللحظات الهادئة التي كانت تجمع بينهما سابقًا.
لكن الخبر الجيد؟ أن هذا التأثير لا يجب أن يكون سلبيًا دائمًا. بل يمكن أن يكون التوحد نقطة تحوّل نحو علاقة أكثر نضجًا ووعيًا… إن تم التعامل معه بذكاء.
أولًا: التوتر النفسي ينعكس على العلاقة
تشخيص التوحد يخلق ضغطًا نفسيًا هائلًا على كل من الأب والأم، حتى لو لم يظهراه في البداية.
- الشعور بالقلق من المستقبل
- الخوف من نظرة المجتمع
- التحديات المالية والعلاجية
كل هذه الضغوط تخلق بيئة مشحونة، وقد تؤدي إلى صدامات متكررة بين الزوجين.
💡 ما يجب فهمه: التوتر طبيعي، لكن تركه يتراكم دون تفريغ أو حوار قد يضر بالعلاقة على المدى الطويل.
ثانيًا: اختلاف طرق التفاعل قد يُربك العلاقة
غالبًا ما يتعامل الأب والأم مع التشخيص بطرق مختلفة:
- أحدهما قد ينكر أو يقلل من الأمر
- والآخر قد يغرق في القلق والتفاصيل
وهذا التباين قد يسبب سوء فهم أو اتهامات متبادلة.
مثال شائع:
الأم تقول: “أنت لا تهتم كما يجب”
الأب يرد: “أنا أتحمل وأصمت كي لا أزيد العبء”
هنا لا يوجد مخطئ أو مصيب… بل هناك احتياج لحوار صادق، يفهم فيه كل طرف طريقة الآخر في التعامل مع الألم.
ثالثًا: نسيان العلاقة الزوجية في زحمة المسؤوليات
التركيز الكامل على الطفل قد يجعل الزوجين يتعاملان فقط كفريق عمل، وينسيان أنهما زوجان أيضًا.
- لم تعودا تتحدثان عنكما
- لا وقت للخروج أو الجلوس بهدوء
- حتى العبارات اللطيفة أو اللمسات البسيطة قد تختفي
وهذا يخلق فراغًا عاطفيًا، يجعل العلاقة أضعف وأكثر قابلية للتصدّع.
💡 الحل؟ لا بد من تخصيص وقت، ولو قصير، للتواصل العاطفي — حتى لو كان 10 دقائق كل ليلة للحديث فقط.
رابعًا: الشعور بالذنب يعمّق المسافة
أحيانًا، قد يشعر أحد الزوجين بالذنب تجاه الآخر:
- “أنا السبب، فأنا من لديه تاريخ عائلي بالتوحد”
- “زوجتي تحملت الكثير، وأنا قصّرت”
- “زوجي يعمل طول اليوم ولا يعيش التفاصيل القاسية مثلي”
هذه الأفكار قد تولد فجوة صامتة، يصعب كسرها ما لم يتم التحدث عنها بصدق.
خامسًا: متى يصبح التوحد فرصة لتقوية العلاقة؟
رغم التحديات، هناك الكثير من الأزواج الذين قالوا:
“نعم، تغير كل شيء بعد التوحد… لكننا أصبحنا أقرب، وأكثر فهمًا لبعضنا البعض.”
كيف حدث ذلك؟
- بالتعاون الفعلي في الرعاية اليومية
- بتقاسم المسؤوليات دون تحميل طرف واحد
- بخلق “نحن” في وجه التحديات، بدلًا من “أنا وأنت”
- بإيجاد لحظات للضحك، الحب، والامتنان رغم كل شيء
نصائح لتعزيز العلاقة الزوجية في ظل التوحد:
- احرصا على الحديث اليومي، حتى لو كان قصيرًا.
- اقضيا وقتًا معًا دون الحديث عن الطفل فقط.
- استشيرا مختصًا نفسيًا أسريًا إذا شعرتما بالاحتياج.
- دعما بعضكما، لا تنتقدا بعضكما.
- تذكرا أنكما في نفس القارب، والنجاة تحتاجكما معًا.
خاتمة
التوحد لا يُفرّق بين الزوجين، لكن طريقة التعامل معه قد تفعل.
إما أن يكون عائقًا يُزيد المسافة، أو حافزًا لتكوين رابطة أعمق وأقوى.
العلاقة الزوجية تحتاج عناية تمامًا مثل الطفل، لأنها الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البيت كله.
أنتما لستما وحدكما، وكلاكما يملك من القوة ما يكفي ليكون للطفل عالمًا آمنًا… وللآخر، سندًا حقيقيًا.
لا يوجد تعليقات