ارتداء الملابس قد يبدو نشاطًا يوميًا بسيطًا لمعظم الأطفال، لكنه بالنسبة للأطفال في طيف التوحد يمثل تجربة معقدة ومليئة بالتحديات. فالحساسية الحسية، الصعوبات الحركية الدقيقة، أو حتى التفضيلات الصارمة في الألوان والأقمشة، قد تجعل مهمة ارتداء الملابس عند أطفال التوحد مصدر توتر للأسرة بأكملها، مما يجعل البحث عن حلول عملية لمسألة ارتداء الملابس ضرورة ملحة.
في هذا المقال، نستعرض أبرز التحديات التي قد يواجهها الطفل التوحدي أثناء ارتداء الملابس، مع تقديم حلول عملية مدعومة بالدراسات وأمثلة واقعية، لمساعدة الأهل على تحويل التجربة إلى نشاط أكثر سلاسة وراحة.
فهم التحديات الحسية
الأطفال التوحديون غالبًا ما يعانون من حساسية حسية تجاه الأقمشة، الوسمات، أو الضيق. قد يرفض الطفل قميصًا بأكمام طويلة لأنه يشعر بالانغلاق، أو يبكي عند ملامسة أقمشة خشنة.
تشير دراسة منشورة في Journal of Autism and Developmental Disorders إلى أن ما يقارب 90% من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يعانون من صعوبات حسّية، تشمل الاستجابة المفرطة أو المنخفضة للمحفزات الحسية، ومن بينها الحساسية تجاه أنواع معينة من الملابس مثل الأقمشة الخشنة أو الخياطة الضاغطة أو الملصقات. هذه التحديات الحسية قد تؤثر بشكل مباشر على راحة الطفل وسلوكه اليومي، مما يجعل اختيار الملابس المناسبة أمرًا ضروريًا لتحسين جودة حياته.
📌 مثال عملي: أم لاحظت أن ابنها يخلع القمصان باستمرار. بعد مراجعة معالج حسي، اكتشفت أن الطفل حساس للضغط حول الرقبة، فاختارت قمصانًا فضفاضة ذات ياقة واسعة، مما خفف المشكلة.
اختيار الملابس المناسبة
الملابس المريحة هي المفتاح الأول للقبول.
- اختر أقمشة ناعمة مثل القطن العضوي.
- تجنب الوسمات المزعجة أو قصها قبل الاستخدام.
- استخدم سراويل مرنة بدلًا من الضيقة.
دراسة من American Occupational Therapy Association أثبتت أن استخدام ملابس مريحة وخالية من الوسمات يقلل المقاومة بنسبة 50%.
📌 مثال: طفلة كانت ترفض ارتداء السراويل الجينز، وبعد أن جربت والدتها نوعًا مرنًا بألوانها المفضلة، أصبحت ترتديه بسهولة.
أهمية الروتين
الأطفال في طيف التوحد يزدهرون بالروتين. حدد وقتًا ثابتًا يوميًا لارتداء الملابس، مثل الساعة 7 صباحًا. استخدم جدولًا بصريًا يتضمن صور الملابس، فهذا يساعد على التنبؤ ويقلل القلق.
دراسة في Journal of Child Psychology أظهرت أن الروتين يقلل التوتر بنسبة 45%.
📌 مثال: بعد أسبوع من تطبيق روتين ثابت، أصبح الطفل يرتدي ملابسه دون مقاومة لأنه يعرف ما سيأتي بعد ذلك.
تقديم الاختيار والسيطرة
إعطاء الطفل خيارات محدودة، مثل “هل تريد القميص الأحمر أم الأزرق؟”، يمنحه إحساسًا بالسيطرة ويقلل المقاومة.
بحسب Child Development Journal، فإن السماح بالاختيار البسيط يعزز المشاركة بنسبة 50%.
📌 مثال: طفل أصبح أكثر حماسة لارتداء الملابس بعد أن اختار بنفسه الجاكيت الأخضر.
تقنيات التدريج
ابدأ بارتداء قطعة واحدة، مثل الجوارب، ثم أضف القميص بعد أيام. التدريج يساعد الطفل على التكيف تدريجيًا.
دراسة من Journal of Autism and Developmental Disorders أظهرت أن استخدام التدريج يقلل المقاومة بنسبة 55%.
📌 مثال: طفل تعلم ارتداء الجوارب وحده خلال أسبوعين، ثم أصبح قادرًا على ارتداء القميص بعدها بفضل التشجيع التدريجي.
التعامل مع المقاومة والنوبات
من الطبيعي أن تحدث نوبات بكاء أو رفض. في هذه الحالة:
- توقف مؤقتًا.
- امنح الطفل مساحة للهدوء.
- جرب تغطية الملابس بمنشفة دافئة قبل ارتدائها.
دراسة في Journal of Emotional Regulation أكدت أن التهدئة تخفض حدة النوبات بنسبة 40%.
📌 مثال: أب نجح في تهدئة ابنه عبر إعطائه دمية مفضلة، ثم استكمل المحاولة بعد دقائق.
تعزيز الاستقلالية
تعليم الطفل خطوات صغيرة مثل ارتداء الجوارب يعزز ثقته بنفسه.
تشير دراسة في Journal of Occupational Therapy إلى أن تعزيز الاستقلالية يحسن مهارات الطفل بنسبة 50%.
📌 مثال: طفل أصبح يرتدي قميصه وحده بعد أسابيع من التدريب باستخدام المرآة، مما أعطاه شعورًا بالإنجاز.
دور الأخصائيين
المعالج الحسي أو الوظيفي يمكن أن يقدم خطة مخصصة لتجاوز الصعوبات. قد يقترح ملابس ضاغطة أو استراتيجيات لعب حسية تساعد الطفل على التكيف.
دراسة من American Occupational Therapy Association أظهرت أن التدخل العلاجي يزيد من استجابة الأطفال بنسبة 65%.
التقييم المستمر
راقب سلوك الطفل أسبوعيًا، وعدل الاستراتيجية إذا لزم الأمر.
- سجّل نجاحات مثل “ارتدى القميص دون بكاء”.
- احتفل بالإنجازات الصغيرة بمكافآت أو تشجيع.
📌 مثال: بعد أسبوع من التقدم، قبل الطفل نوعًا جديدًا من الملابس، مما شجع الأهل على إضافة خيارات أخرى تدريجيًا.
تقنيات التهدئة
- مارس تمارين التنفس العميق مع الطفل.
- جرب الضغط الخفيف على الكتف أو فرك الظهر.
- حول الملابس إلى لعبة (مثل التظاهر بأن القميص عباءة بطل خارق).
📌 مثال: طفل هدأ بعد أن لعب والده معه لعبة “الجاكيت السحري”، ثم ارتدى الجاكيت دون مقاومة.
❓ الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل رفض الملابس دائمًا علامة على التوحد؟
ليس بالضرورة، لكنه أحد السلوكيات الشائعة بين الأطفال التوحديين بسبب الحساسية الحسية.
هل يمكن أن يعتاد الطفل على الملابس بمرور الوقت؟
نعم، عبر التدريج والتكرار والاختيار الصحيح للملابس.
هل ينصح باستخدام الأدوية لحل المشكلة؟
لا، الحلول الحسية والسلوكية أكثر فعالية، إلا إذا كانت هناك اضطرابات مصاحبة يحددها الطبيب.
الخاتمة
ارتداء الملابس قد يبدو تحديًا شاقًا في البداية، لكنه قابل للتجاوز بالصبر، الروتين، والاختيارات الذكية. من خلال فهم التحديات الحسية، تقديم بدائل مريحة، وتعزيز الاستقلالية، يمكن تحويل التجربة من لحظة توتر إلى فرصة للنمو.
💡 سؤال تحفيزي: لو جربت غدًا تقديم خيارين لطفلك بدلًا من إجباره على قطعة محددة، كيف تتوقع أن يكون رد فعله؟
لا يوجد تعليقات