حين يسمع الأب للمرة الأولى تشخيص التوحد لطفله، لا تصدر منه دائمًا دمعة أو تنهيدة.
بل كثيرًا ما يسكت. يُخفي مشاعره، يتظاهر بالقوة، ويتجه فورًا إلى سؤال: “ما الحل؟”.
لكن الحقيقة أن الأب، مثل الأم تمامًا، يمر بزلزال عاطفي داخلي، لكنه نادرًا ما يتحدث عنه.
قد يشعر الأب بالعجز، الإحباط، الخوف من المستقبل، أو حتى الحيرة في كيفية التعامل مع الزوجة والطفل في وقت واحد.
وهنا تأتي أهمية الدعم النفسي للأب — ليس فقط ليكون سندًا للآخرين، بل ليحافظ على توازنه الداخلي أيضًا.
أولًا: نعم، من حقك أن تتأثر
قد تظن أن عليك أن “تتماسك” طوال الوقت. أن تخفي صدمتك كي لا تقلق زوجتك أو تُربك الأسرة.
لكن كتمان الألم لا يلغي وجوده، بل قد يحوّله إلى قلق، توتر، أو حتى انهيار لاحق.
- ليس عيبًا أن تقول: “أنا خائف” أو “مرتبك”
- الاعتراف بالمشاعر أول خطوات القوة
- تذكر أن الطفل يحتاج أبًا حقيقيًا، لا قناعًا صلبًا
💬 رسالة لك: لست مضطرًا لحل كل شيء بمفردك. هناك دعم، وهناك مساحات آمنة للحديث.
ثانيًا: واجه مشاعر الذنب أو الإنكار
كثير من الآباء يتساءلون بعد التشخيص:
“هل السبب وراثي؟ هل قصّرت؟ هل يمكن أن أغيّر هذا؟”
أحيانًا، قد يدخلون في حالة إنكار، ويرفضون الاعتراف بالتشخيص في البداية.
هذه مشاعر طبيعية، لكن لا تسمح لها أن تعيق خطواتك نحو الفهم والدعم.
- التوحد ليس “حكمًا”، بل توصيف لحالة نمائية
- لا أحد مسؤول عن ذلك، ولا أحد يستطيع منعه
- ما يمكنك فعله اليوم هو الأهم: الاحتواء والدعم والمشاركة
ثالثًا: لا تكن داعمًا خارجيًا فقط
بعض الآباء يظنون أن دورهم يقتصر على “تأمين العلاج” أو “توفير المال”، ويتركون الجوانب العاطفية للأم.
لكن الطفل يحتاج إلى أب مشارك، يسمعه، يراه، يشاركه يومه.
- شارك في الجلسات إن أمكن
- اسأل الأخصائيين واطّلع على خطط العلاج
- تعلّم كيف تتواصل مع طفلك بطريقته
- خصّص وقتًا للّعب، حتى لو كان بسيطًا
وجودك الفعلي أهم بكثير من حضورك الصامت.
رابعًا: تحدث مع من مرّ بالتجربة
لا شيء يوازي الراحة التي تشعر بها حين تستمع لأب مثلك، مرّ بنفس الدوامة.
قد تسمع منه ما لا تجده في الكتب أو عند الأطباء: تجربة حيّة، مليئة بالتحديات والنجاحات.
- انضم إلى مجموعات دعم أو منتديات حوارية
- شارك مشاعرك وتعلّم من غيرك
- لا تستهن بقوة “الرفقة” في طريق التوحد
خامسًا: خُذ وقتًا لنفسك
الضغط النفسي المستمر دون راحة قد يؤدي إلى الإرهاق أو الانهيار.
من المهم أن تجد وقتًا تسترخي فيه، بعيدًا عن المسؤوليات.
- امشِ قليلًا في الهواء الطلق
- مارس هواية بسيطة تحبها
- تحدث مع صديق مقرّب
- اكتب مشاعرك في دفتر شخصي
الراحة ليست أنانية، بل إعادة شحن لقوتك النفسية.
سادسًا: حافظ على علاقتك بزوجتك
غالبًا ما تتأثر العلاقة الزوجية بعد تشخيص التوحد، بسبب الضغط، أو اختلاف طرق التعامل مع الطفل.
وهنا، من الضروري بناء “جبهة موحدة” مع شريكتك.
- استمع إليها دون نقد
- قسّم المسؤوليات معها بعدل
- أظهر دعمك النفسي، لا فقط العملي
- خصصا وقتًا منتظمًا للحديث بعيدًا عن ضغوط الطفل
أن تكونا متفاهمين، يعني أن الطفل سينمو في بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا.
خاتمة
أنت لست “آلة حلول”، ولست مطالبًا بأن تكون قويًا دائمًا.
أنت أب، وهذه الكلمة بحد ذاتها تعني الكثير: حضن، حنان، حضور، دعم، ومسؤولية.
اسمح لنفسك أن تشعر، أن تتطور، وأن تُخطئ أحيانًا. فكل خطوة نحو الفهم، هي خطوة نحو الطمأنينة.
وأنت، بوعيك واحتوائك، تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة طفلك… أكثر مما تتخيل.
لا يوجد تعليقات