تربية طفل في طيف التوحد ليست مهمة عادية؛ بل هي رحلة مليئة بالتحديات اليومية التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر، الانتباه، والمرونة. كثير من الآباء والأمهات يواجهون ضغوطًا نفسية وعاطفية مضاعفة، خصوصًا مع نوبات السلوك أو متطلبات الرعاية المستمرة. في ظل هذه الظروف، يصبح الاسترخاء ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة أساسية للحفاظ على الصحة النفسية والتوازن الأسري.
لماذا يحتاج الوالدان إلى تقنيات الاسترخاء؟
تشير دراسات حديثة إلى أن التوتر المزمن يصيب أكثر من 60% من آباء وأمهات الأطفال المصابين بالتوحد، مما ينعكس على صحتهم الجسدية والنفسية. التوتر غير المعالج قد يؤدي إلى الإرهاق، ضعف المناعة، وقلة القدرة على الاستجابة لمتطلبات الطفل. لكن عندما يمنح الوالدان أنفسهم وقتًا قصيرًا يوميًا للاسترخاء، فإن ذلك يعزز قدرتهم على مواجهة التحديات بصبر وهدوء.
التنفس العميق: لحظات من الهدوء وسط الفوضى
تقنية التنفس العميق تُعد من أبسط وأسهل طرق الاسترخاء. يكفي أن يجلس الوالد في مكان هادئ، ويأخذ شهيقًا بطيئًا من الأنف، ثم يحتفظ به للحظات، قبل أن يخرجه تدريجيًا عبر الفم. ممارسة هذه العملية لخمس دقائق فقط يوميًا كفيلة بتخفيف حدة التوتر بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، أب روى أنه استطاع التعامل مع نوبة غضب ابنه بهدوء بعد أن مارس تمرين التنفس العميق لعدة أيام متتالية.
التأمل القصير: إيقاف دوامة التفكير
التأمل ليس حكرًا على المحترفين أو من يملكون ساعات فراغ طويلة. جلسة تأمل قصيرة من 5 إلى 10 دقائق يوميًا يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. من خلال التركيز على التنفس أو على صوت بسيط مثل دقات الساعة، يستطيع الوالد تهدئة عقله والتخلص من الأفكار السلبية المتراكمة. إحدى الأمهات أشارت إلى أن ممارسة التأمل ساعدتها على استعادة طاقتها الذهنية والتعامل بصبر أكبر مع متطلبات طفلها اليومية.
الحركة والتمارين الخفيفة: جسد صحي وعقل مرتاح
النشاط البدني، حتى لو كان بسيطًا مثل المشي حول المنزل أو بعض حركات التمدد، يساعد على إفراز هرمونات السعادة وتقليل التوتر. التمارين القصيرة لا تتطلب معدات خاصة أو وقتًا طويلًا، لكنها تحدث أثرًا فوريًا في تحسين المزاج. أب اعتاد المشي لمدة 15 دقيقة بعد أن ينام ابنه، وأكد أن هذا الروتين البسيط جعله أكثر قدرة على الاستيقاظ في اليوم التالي بطاقة إيجابية.
الكتابة والتفريغ العاطفي: صديق صامت يخفف الضغط
الكتابة وسيلة فعّالة للتنفيس عن المشاعر. عندما يدون الوالدان أفكارهم، مخاوفهم، أو حتى لحظات الفرح الصغيرة، فإنهم يفرغون شحنة التوتر المتراكمة بداخلهم. أم أوضحت أنها وجدت راحة كبيرة في كتابة يومياتها قبل النوم، معتبرة ذلك “جلسة علاج ذاتي” تساعدها على إغلاق يومها بسلام.
الدعم الاجتماعي: لا للعزلة
العزلة من أكثر ما يفاقم الضغوط النفسية. لذلك، يعد التواصل مع صديق، قريب، أو حتى مجموعة دعم من آباء وأمهات يعيشون التجربة نفسها، خطوة مهمة جدًا. مشاركة التجارب تمنح الوالدين شعورًا بأنهم ليسوا وحدهم، وتفتح المجال لتبادل حلول عملية. كثير من الأمهات أشرن إلى أن مجرد مكالمة قصيرة مع صديقة مقرّبة كانت كافية لتخفيف ثقل يوم كامل.
الاسترخاء العضلي التدريجي: راحة من الرأس حتى القدمين
هذه التقنية تعتمد على شد عضلات الجسم تدريجيًا ثم إرخائها، بدءًا من أصابع القدم وصولًا إلى الرقبة والوجه. الفكرة هي تدريب الجسد على التمييز بين التوتر والاسترخاء. ممارسة هذا التمرين قبل النوم ساعدت الكثير من الآباء على الاستغراق في نوم أعمق وأكثر راحة، مما ينعكس إيجابًا على طاقتهم في اليوم التالي.
تخصيص وقت للرعاية الذاتية: أنت تستحق ذلك
من المهم أن يتذكر الآباء والأمهات أن الاهتمام بأنفسهم ليس أنانية، بل ضرورة. تخصيص ربع ساعة يوميًا لقراءة كتاب، احتساء فنجان قهوة بهدوء، أو ممارسة هواية بسيطة، يمكن أن ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأسرة بأكملها. عندما يكون الوالد مرتاحًا ومتوازنًا، يكون أكثر قدرة على تقديم الرعاية الفعّالة لطفله.
متى نلجأ إلى الدعم النفسي المتخصص؟
رغم فعالية هذه التقنيات، قد يحتاج بعض الآباء إلى دعم إضافي من مختص نفسي أو معالج سلوكي. الجلسات الفردية أو العائلية توفر مساحة آمنة للتعبير عن الضغوط، وتمنح استراتيجيات مصممة خصيصًا لكل أسرة. طلب المساعدة لا يعني الضعف، بل يعكس وعيًا ورغبة في بناء بيئة أكثر صحة لجميع أفراد العائلة.
خاتمة
الاسترخاء ليس ترفًا، بل هو حجر أساس في رحلة الوالدين مع طفل التوحد. من التنفس العميق والتأمل، إلى الكتابة والدعم الاجتماعي، كلها استراتيجيات بسيطة وفعّالة يمكن أن تُحدث فرقًا ملموسًا في حياة الأسر. عندما يعتني الآباء والأمهات بأنفسهم، فإنهم يزرعون بيئة من الطمأنينة، يستفيد منها أطفالهم بالدرجة الأولى. البداية قد تكون بخمس دقائق من التنفس العميق، لكنها خطوة صغيرة تفتح بابًا واسعًا نحو التوازن والصمود.



















لا يوجد تعليقات